كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



{يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً واتقوا الله الذي إلية تحشرون جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون}..
لقد قال تعالى للذين آمنوا في أول هذه السورة:
{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً وإذا حللتم فاصطادوا..} وكان هذا النهي عن إحلال الصيد وهم حرم؛ وعن إحلال شعائر الله، أو الشهر الحرام أو الهدي والقلائد، أو قاصدي البيت الحرام، لا يرتب عقوبة في الدنيا على المخالف، إنما يلحقه الإثم.
فالآن يبين العقوبة وهي الكفارة {ليذوق وبال أمره} ويعلن العفو عما سلف من إحلال هذه المحارم؛ ويهدد بانتقام الله ممن يعود بعد هذا البيان.
وتبدأ هذه الفقرة كما تبدأ كل فقرات هذا القطاع بالنداء المألوف: {يا أيها الذين آمنوا}.. ثم يخبرهم أنهم مقدمون على امتحان من الله وابتلاء؛ في أمر الصيد الذي نهوا عنه وهم محرمون:
{يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}..
إنه صيد سهل، يسوقه الله إليهم. صيد تناله أيديهم من قريب، وتناله رماحهم بلا مشقة. ولقد حكي أن الله ساق لهم هذا الصيد حتى لكان يطوف بخيامهم ومنازلهم من قريب!.. إنه الإغراء الذي يكون فيه الابتلاء.. إنه ذات الإغراء الذي عجزت بنو إسرائيل من قبل عن الصمود له، حين ألحوا على نبيهم موسى- عليه السلام- أن يجعل الله لهم يوماً للراحة والصلاة لا يشتغلون فيه بشيء من شئون المعاش. فجعل لهم السبت. ثم ساق إليهم صيد البحر يجيئهم قاصداً الشاطئ متعرضاً لأنظارهم في يوم السبت. فإذا لم يكن السبت اختفى، شأن السمك في الماء. فلم يطيقوا الوفاء بعهودهم مع الله؛ وراحوا- في جبلة اليهود المعروفة- يحتالون على الله فيحوّطون على السمك يوم السبت ولا يصيدونه؛ حتى إذا كان الصباح التالي عادوا فأمسكوه من التحويطة! وذلك الذي وجه الله- سبحانه- رسوله صلى الله عليه وسلم لأن يواجههم ويفضحهم به في قوله تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} هذا الابتلاء بعينه ابتلى به الله الأمة المسلمة، فنجحت حيث أخفقت يهود.. وكان هذا مصداق قول الله سبحانه في هذه الأمة: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} ولقد نجحت هذه الأمة في مواطن كثيرة حيث أخفق بنو إسرائيل. ومن ثم نزع الله الخلافة في الأرض من بني إسرائيل وائتمن عليها هذه الأمة. ومكن لها في الأرض ما لم يمكن لأمة قبلها. إذ أن منهج الله لم يتمثل تمثلاً كاملاً في نظام واقعي يحكم الحياة كلها كما تمثل في خلافة الأمة المسلمة.. ذلك يوم أن كانت مسلمة. يوم أن كانت تعلم أن الإسلام هو أن يتمثل دين الله وشريعته في حياة البشر. وتعلم أنها هي المؤتمنة على هذه الأمانة الضخمة؛ وأنها هي الوصية على البشرية لتقيم فيها منهج الله، وتقوم عليه بأمانة الله.
ولقد كان هذا الاختبار بالصيد السهل في أثناء فترة الإحرام أحد الاختبارات التي اجتازتها هذه الأمة بنجاح. وكانت عناية الله- سبحانه- بتربية هذه الأمة بمثل هذه الاختبارات من مظاهر رعايته واصطفائه.
ولقد كشف الله للذين آمنوا في هذا الحادث عن حكمة الابتلاء:
{ليعلم الله من يخافه بالغيب}..
إن مخافة الله بالغيب هي قاعدة هذه العقيدة في ضمير المسلم. القاعدة الصلبة التي يقوم عليها بناء العقيدة، وبناء السلوك، وتناط بها أمانة الخلافة في الأرض بمنهج الله القويم..
إن الناس لا يرون الله؛ ولكنهم يجدونه في نفوسهم حين يؤمنون.. إنه تعالى بالنسبة لهم غيب، ولكن قلوبهم تعرفه بالغيب وتخافه. إن استقرار هذه الحقيقة الهائلة- حقيقة الإيمان بالله بالغيب ومخافته- والاستغناء عن رؤية الحس والمشاهدة؛ والشعور بهذا الغيب شعوراً يوازي- بل يرجح- الشهادة؛ حتى ليؤدي المؤمن شهادة: بأن لا إله إلا الله. وهو لم ير الله.. إن استقرار هذه الحقيقة على هذا النحو يعبر عن نقلة ضخمة في ارتقاء الكائن البشري، وانطلاق طاقاته الفطرية، واستخدام أجهزته المركوزة في تكوينه الفطري على الوجه الأكمل؛ وابتعاده- بمقدار هذا الارتقاء- عن عالم البهيمة التي لا تعرف الغيب- بالمستوى الذي تهيأ له الإنسان- بينما يعبر انغلاق روحه عن رؤية ما وراء الحس، وانكماش إحساسه في دائرة المحسوس، عن تعطل أجهزة الالتقاط والاتصال الراقية فيه، وانتكاسه إلى المستوى الحيواني في الحس المادي!
ومن ثم يجعلها الله سبحانه حكمة لهذا الابتلاء؛ ويكشف للذين آمنوا عن هذه الحكمة كي تحتشد نفوسهم لتحقيقها..
والله سبحانه يعلم علماً لَدُنِّياًّ من يخافه بالغيب. ولكنه- سبحانه- لا يحاسب الناس على ما يعلمه عنهم علماً لدنيا. إنما يحاسبهم على ما يقع منهم فيعلمه الله- سبحانه- علم وقوع..
{فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}..
فقد أخبر بالابتلاء، وعرف حكمة تعرضه له، وحذر من الوقوع فيه؛ وبذلت له كل أسباب النجاح فيه.. فإذا هو اعتدى- بعد ذلك- كان العذاب الأليم جزاء حقاً وعدلاً؛ وقد اختار بنفسه هذا الجزاء واستحقه فعلاً.
بعد هذا يجيء تفصيل كفارة المخالفة مبدوءاً بالنهي مختوماً بالتهديد مرة أخرى:
{يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام}..
إن النهي ينصب على قتل المحرم للصيد عمداً.
فأما إذا قتله خطأ فلا إثم عليه ولا كفارة.. فإذا كان القتل عمداً فكفارته أن يذبح بهيمة من الأنعام من مستوى الصيد الذي قتله. فالغزالة مثلاً تجزئ فيها نعجة أو عنزة. والأيِّل تجزئ فيه بقرة. والنعامة والزرافة وما إليها تجزئ فيها بدنة.. والأرنب والقط وأمثالهما يجزئ فيه أرنب. وما لا مقابل له من البهيمة يجزئ عنه ما يوازي قيمته..
ويتولى الحكم في هذه الكفارة اثنان من المسلمين ذوا عدل. فإذا حكما بذبح بهيمة أطلقت هدياً حتى تبلغ الكعبة، تذبح هناك وتطعم للمساكين. أما إذا لم توجد بهيمة فللحكمين أن يحكما بكفارة طعام مساكين؛ بما يساوي ثمن البهيمة أو ثمن الصيد (خلاف فقهي). فإذا لم يجد صاحب الكفارة صام ما يعادل هذه الكفارة. مقدراً ثمن الصيد أو البهيمة، ومجزأ على عدد المساكين الذين يطعمهم هذا الثمن؛ وصيام يوم مقابل إطعام كل مسكين.. أما كم يبلغ ثمن إطعام مسكين فهو موضع خلاف فقهي. ولكنه يتبع الأمكنة والأزمنة والأحوال.
وينص السياق القرآني على حكمة هذه الكفارة:
{ليذوق وبال أمره}..
ففي الكفارة معنى العقوبة، لأن الذنب هنا مخل بحرمة يشدد فيها الإسلام تشديداً كبيراً: لذلك يعقب عليها بالعفو عما سلف والتهديد بانتقام الله ممن لا يكف:
{عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام}.
فإذا اعتز قاتل الصيد بقوته وقدرته على نيل هذا الصيد، الذي أراد الله له الأمان في مثابة الأمان، فالله هو العزيز القوي القادر على الانتقام!
ذلك شأن صيد البر. فأما صيد البحر فهو حلال في الحل والإحرام:
{أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة}..
فحيوان البحر حلال صيده وحلال أكله للمحرم ولغير المحرم سواء.. ولما ذكر حل صيد البحر وطعامه، عاد فذكر حرمة صيد البر للمحرم:
{وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً}..
والذي عليه الإجماع هو حرمة صيد البر للمحرم. ولكن هناك خلاف حول تناول المحرم له إذا صاده غير المحرم. كما أن هناك خلافاً حول المعنّى بالصيد. وهل هو خاص بالحيوان الذي يصاد عادة. أم النهي شامل لكل حيوان، ولو لم يكن مما يصاد ومما لا يطلق عليه لفظ الصيد.
ويختم هذا التحليل وهذا التحريم باستجاشة مشاعر التقوى في الضمير؛ والتذكير بالحشر إلى الله والحساب:
{واتقوا الله الذي إليه تحشرون}.. وبعد. ففيم هذه الحرمات؟
إنها منطقة الأمان يقيمها الله للبشر في زحمة الصراع.. إنها الكعبة الحرام، والأشهر الحرام، تقدم في وسط المعركة المستعرة بين المتخاصمين والمتحاربين والمتصارعين والمتزاحمين على الحياة بين الأحياء من جميع الأنواع والأجناس.. بين الرغائب والمطامع والشهوات والضرورات.. فتحل الطمأنينة محل الخوف، ويحل السلام محل الخصام، وترف أجنحة من الحب والإخاء والأمن والسلام. وتدرب النفس البشرية في واقعها العملي- لا في عالم المثل والنظريات- على هذه المشاعر وهذه المعاني؛ فلا تبقى مجرد كلمات مجنحة ورؤى حالمة، تعز على التحقيق في واقع الحياة:
{جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد.
ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في والأرض وأن الله بكل شيء عليم اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون}..
لقد جعل الله هذه الحرمات تشمل الإنسان والطير والحيوان والحشرات بالأمن في البيت الحرام. وفي فترة الإحرام بالنسبة للمحرم حتى وهو لم يبلغ الحرم. كما جعل الأشهر الحرم الأربعة التي لا يجوز فيها القتل ولا القتال وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثم رجب.. ولقد ألقى الله في قلوب العرب- حتى في جاهليتهم- حرمة هذه الأشهر. فكانوا لا يروعون فيها نفساً، ولا يطلبون فيها دماً، ولا يتوقعون فيها ثأراً، حتى كان الرجل يلقى قاتل أبيه وابنه وأخيه فلا يؤذيه، فكانت مجالاً آمناً للسياحة والضرب في الأرض وابتغاء الرزق.. جعلها الله كذلك لأنه أراد للكعبة- بيت الله الحرام- أن تكون مثابة أمن وسلام. تقيم الناس وتقيهم الخوف والفزع. كذلك جعل الأشهر الحرم لتكون منظقة أمن في الزمان كالكعبة منطقة أمن في المكان. ثم مد رواق الأمن خارج منطقة الزمان والمكان، فجعله حقاً للهدي- وهو النعم- الذي يطلق ليبلغ الكعبة في الحج والعمرة؛ فلا يمسه أحد في الطريق بسوء. كما جعله لمن يتقلد من شجر الحرم، معلناً احتماءه بالبيت العتيق.
لقد جعل الله هذه الحرمات منذ بناء هذا البيت على أيدي إبراهيم وإسماعيل؛ وجعله مثابة للناس وأمناً، حتى لقد امتن الله به على المشركين أنفسهم؛ إذ كان بيت الله بينهم مثابة لهم وأمناً، والناس من حولهم يُتخطفون، وهم فيه وبه آمنون، ثم هم- بعد ذلك- لا يشكرون الله؛ ولا يفردونه بالعبادة في بيت التوحيد؛ ويقولون للرسول صلى الله عليه وسلم إذ يدعوهم إلى التوحيد: إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا. فحكى الله قولهم هذا وجبههم بحقيقة الأمن والمخافة: {وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرماً آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون} وفي الصحيحين عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم فتح مكة: إن هذا البلد حرام، لا يعضد شجرة، ولا يُختلى خَلاه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرّف».
ولم يستثن من الأحياء مما يجوز قتله في الحرم وللمحرم إلا الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور لحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور».
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- زيادة الحية.
كذلك حرمت المدينة لحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور». وفي الصحيحين من حديث عباد بن تميم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة».
وبعد، فإنها ليست منطقة الأمان في الزمان والمكان وحدهما. وليس رواق الأمن الذي يشمل الحيوان والإنسان وحدهما.. إنما هي كذلك منطقة الأمان في الضمير البشري.. ذلك المصطرع المترامي الأطراف في أغوار النفس البشرية.. هذا المصطرع الذي يثور ويفور فيطغى بشواظه وبدخانه على المكان والزمان، وعلى الإنسان والحيوان!.. إنها منطقة السلام والسماحة في ذلك المصطرع، حتى ليتحرج المحرم أن يمد يده إلى الطير والحيوان. وهما- في غير هذه المنطقة- حل للإنسان. ولكنهما هنا في المثابة الآمنة. في الفترة الآمنة. في النفس الآمنة.. إنها منطقة المرانة والتدريب للنفس البشرية لتصفو وترق وترف فتتصل بالملأ الأعلى؛ وتتهيأ للتعامل مع الملأ الأعلى..
ألا ما أحوج البشرية المفزَّعة الوجلة، المتطاحنة المتصارعة.. إلى منطقة الأمان، التي جعلها الله للناس في هذا الدين، وبينها للناس في هذا القرآن!
{ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم}..
تعقيب عجيب في هذا الموضع؛ ولكنه مفهوم! إن الله يشرع هذه الشريعة، ويقيم هذه المثابة، ليعلم الناس أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم.. ليعلموا أنه يعلم طبائع البشر وحاجاتهم ومكنونات نفوسهم وهتاف أرواحهم. وأنه يقرر شرائعه لتلبية الطبائع والحاجات، والاستجابة للأشواق والمكنونات.. فإذا أحست قلوب الناس رحمة الله في شريعته؛ وتذوقت جمال هذا التطابق بينها وبين فطرتهم العميقة علموا أن الله يعلم ما في السماوات والأرض وأن الله بكل شيء عليم.